الكون في قشرة جوز (The Universe In A Nutshell)


 


عنوان الكتاب باللغة الإنجليزية:    The Universe In A Nutshell

عنوان الكتاب بالعربية: الكون في قشرة جوز

عنوان الكتاب الفرعي بالعربية: شكل جديد للكون

 إسم المؤلف: ستيفن هوكنج 

إسم المؤلف باللغة الإنجليزية: (Stephen Hawking)

 عدد صفحات الكتاب:202 ص

عدد الفصول: سبع فصول


تمهيد:


كتاب هوكنج السابق، تاريخ موجز للزمان، كان يحوي فصولاً تتابعية، يعتمد بعضها على الآخر، الأمر الذي راق للبعض، ولكنه حال دون وصول البعض الآخر، إلى المحتوى العلمي الأكثر اثارة، ولهذا قرر هوكنج، أن يكون كتابنا الحالي، الكون في قشرة جوز، ذي فصولٍ مستقلة عن بعضها، يسهل تناولها بعد الانتهاء من الجذع المركزي للكتاب، ألا وهو الفصل الأول والثاني، أما محتوى الفصول، فهو إنعكاس لأمور فكر هوكنج بشأنها، أو بحث فيها بنفسه، نستطيع أن نقول أنها أحدث الأبحاث التي تشغل الوسط العلمي في هذه الفترة، مستخدماً في توضيحها صوراً ورسومات، تكسر جمود البنية الخطية المعتادة، وعلى الرغم من كل الصعوبات الجسدية والإمكانية، التي واجهت هوكنج، إلا أنه شخص ذو طموح علمي لا حدود له، في محاولة الوصول إلى نظرية  "كل شيء"، التي تفسر الكون كله، وهو هنا يبين لنا أين نحن الآن منها، كيف اقتربنا، وما هي الأمور التي لا تزال مجهولة، شاكراً ما حظي به من دعم وعون الأصدقاء و الزملاء والأهل، لإتمام هذه المهمة.



الفصل الأول: تاريخ موجز للنسبية 

(لا بدّ أن نكون على درايةٍ بعلوم الماضي ونظرياته التي أسست لكل التقدم العلمي الحاصل اليوم)


القصة بدأت في مكتب براءات الاختراع، عام ألف وتسعمائة وخمسة(1905)، حين قام شاب يدعى ألبرت آينشتاين(Albert Einstein)، بنشر ثلاث أوراق بحث علمية، أحدثت ثورة وضجيج في كل أنحاء الوسط العلمي، وجعلته واحداً من أبرز العلماء الذين مروا في التاريخ، فعلامَ احتوت تلك الأوراق؟

يشيع في كل عصرٍ مفاهيم راسخة، ومعتقدات ثابتة ومطلقة، لا يُقبل حتى النقاش في ايٍ ممّا يزعزعها، فكيف بمن أتى ببراهين واثباتات، مدعّمة بنماذج ومعادلات رياضية تصف لهم وصفاً دقيقاً ما يعاكسها!

المطلق الأول: كان يُعتقد أن الفضاء مملوء بوسط تنتقل من خلاله أشعة الضوء، وإشارات الراديو، يسمى الأثير، وعدّوه كالهواء الذي تنتقل فيه موجات الصوت، وما قادهم لهذا التصور ، هو أنهم لاحظوا أن المرء إذا سار باتجاه معاكس لمصدر الضوء، سيشعر أن سرعة الضوء أكبر، مما لو سار بنفس اتجاهه، فاعتقدوا أن رياح الأثير تساعد في حركة الضوء عندما يسير بنفس اتجاهها، بأن تجعله أسرع من الضوء الذي يسير عكس اتجاهها، وأجريت سلسلة من التجارب حول هذا الموضوع وكان أهمها، تجربة ميكلسون مورلي The Michelson–Morley، التي أجريت بفرض وجود الأثير، باعتباره هو السكون المطلق المشترك في كل الكون، فهل سرعة الضوء ستتأثر بسيره مع أو عكس اتجاه رياح الاثير؟كأن تزيد سرعة الضوء مثلاً بسبب سيرها مع اتجاه حركة رياح الأثير، عندما نوجه ضوء أحد المصادر، بحيث يوازي محور دوران الأرض حول الشمس، أو أن تقل سرعة الضوء بسبب حركته عكس رياح الأثير، عندما يتعامد الضوء على المحور، في جهاز ميكلسون مورلي يتم الكشف عن ذلك، من خلال قياس تداخل الضوء الآتي من أحد المصادر، لينفصل إلى شعاعين بمروره من خلال مرآة نصف عاكسه، فيصبح أحدهما متعامد على الآخر بالطريقة التي وصفناها بالنسبة لمحور دوران الأرض، ثم يعودان هذان الشعاعان بالانضمام معاً بعد ارتطامهما بالمرآة نفسها، فالقياس سيجري على اشعة الضوء المتداخلة، فإذا كان هناك إختلاف في سرعة الضوء المتداخل حسب ما هو متوقع، هذا سيجعل قمم موجات الضوء تصل مع قيعان الأمواج الأخرى، مما سيُحدث تداخلاً هدّاماً، تلغي فيه الأمواج بعضها، ولكنهم لم يلاحظوا في تجربتهم أي فروق يومية أو سنوية في السرعات بين الشعاعين الضوئيين، مما أثبت فشل التجربة في دعم فكرة الأثير.

 فكانت النتيجة أن الضوء يسير بسرعة ثابتة، وهو مستقل عن سرعة حركة واتجاه الملاحظ، فأخذت الأبحاث منحنى آخر، بعد ذلك، وهو أنه إذا كانت سرعة الضوء في الأثير ستبقى ثابتة ولا تتأثر به، فما الذي يستأثر؟ فبدلاً من أن يتخلوا عن ذاك الأثير الذي يحدّ الحركة، ويقرّون بعدم وجود وسط ناقل للضوء كما نعلم نحن الآن، أن الضوء ينتقل بالفراغ، قرروا أن الأجسام هي من ستتأثر منكمشة والساعات ستتباطأ عندما تمر خلال الأثير، إلى أن دحض اينشتين بورقة بحثه مبيناً أن المرء يجب أن يتحرك بحرية، دون أن يحده شيء عندما يلاحظ قوانين الفيزياء، ولم يعد هناك وجود لما يسمى بالأثير، وسميت النظرية النسبية هكذا، لأن الحركة النسبية للأجسام، هي المهمة.

المطلق الثاني: أنه لا يوجد ما يسمى بالزمن المطلق أو الثابت الذي تقيسه كل الساعات، وإنما لكل فرد أو جسم زمنه الخاص المتغير، الذي تقيسه ساعته مادام يتحرك، وأن الأجسام لا تتماثل في أزمنتها إلا إذا كانت ساكنة أحدها للآخر.

وفي تجربة أجريت، لتدعيم هذه فكرة، الزمان المتغير، تم تثبيت ساعتين ذريتين دقيقتين جداً في طائرتين، انطلقتا في نفس اللحظة أحدهما اتجهت من الشرق للغرب والأخرى بالاتجاه المعاكس من الغرب للشرق، ليصلا معاً وقد سجلت الطائرة التي اتجهت للشرق وقت أقل. (السبب في تسجيل الطائرة لوقت أقل عندما انتقلت من الشرق إلى الغرب، هو أنها تحركت بنفس اتجاه دوران الأرض، فاعانت حركة الأرض حركة الطائرة على الوصول بوقت أقل بالرغم من أن المسافة المقطوعة هي نفسها)

وهناك ظاهرة غريبة جداً تسمى مفارقة التوائم، وفيها أنه إذا سافر شخص في سفينة فضائية بسرعة قريبة من سرعة الضوء، وترك شقيقه التوأم على الأرض، فإن التوأم المسافر سيعود أصغر سناً من شقيقه الذي لم يترك الأرض.

ولأن الزمان والمكان خرجا من حدود مطلقتيهما، ليصبحا عوامل مؤثرة وفاعلة، في كل ما يحدث في الأرض، ضم اينشتين، بُعد الزمان لأبعاد المكان الثلاثة (الطول، العرض والارتفاع)، لينشئ ما يسمى "بالزمكان".

شهدت نسبية أينشتاين أيضاً مولد علاقة من أهم ما اتفق عليه عوام الناس في الشارع، وهي العلاقة بين الكتلة والطاقة، والتي تزيد كل منهما بزيادة الأخرى، فإذا أردنا زيادة سرعة جسم، فعلينا أن نزيد طاقته، ولكن هذه الزيادة في الطاقة سيصاحبها زيادة تلقائية للكتلة، مما سيصعّب عملية تسارعه، وعليه فيستحيل زيادة سرعة جسم لتفوق سرعة الضوء، لأنه عندها سيلزمها أن تُزَود بكمية لا نهائية من الطاقة.

تلك العلاقة بين الكتلة والطاقة فتحت باباً مخيفاً من إمكانية نقل محتواها لأجراء تفاعلات نووية متسلسلة، يمكن استخدامها لأغراض تدميرية، وتصنيع أسلحة نووية فتّاكة، كالقنبلة الذرية التي سقطت على هيروشيما وناجازاكي

 Nagasaki and Hiroshima،   ألف وتسعمائة وخمسة وأربعين (1945).


أصبح هناك اختلاف في مفهوم الجاذبية بالنسبة لنيوتن، عن الجاذبية بالنسبة لاينشتاين، حيث عارضت نسبية آينشتاين قوانين نيوتن للجاذبية،  فجاذبية نيوتن؛ هي قوة جذب بين الأجسام، تؤثر  بطريقة يمكن التنبؤ بها في كل المواد الموجودة في الكون، بطريقة تتناسب طردياً مع كُتلها، وعكسيا مع مربع المسافة، ولكن سرعة الجاذبية بمفهوم نيوتن غير محددة، فهي لا نهائية السرعة، وليست كما في مفهوم أينشتاين أن سرعة الجاذبية تساوي سرعة الضوء، فبناءاً على مفهوم نيوتن هذا، يصبح أي تغيير في توزيع المادة في مكان ما في الفضاء، يؤدي "تواً" إلى تغيير ملحوظ في المجال الجذبوي لكل مكان آخر في الكون، مما سيعني أننا سنستطيع إرسال إشارات أسرع من سرعة الضوء، وهو ما قضت عليه النسبية باستحالة وصول جسم لسرعة أكبر من سرعة الضوء، كما أن كلمة تواً هنا تشي باعتقاد نيوتن بوجود زمن مطلق أو كلي، وهو ما نفته النسبية في زمانها المتغير، بأن لكل جسم زمان خاص به ما دام يتحرك.

 فسقوط التفاحة بشكل عمودي على رأس نيوتن، وليس في أي إتجاه آخر، إما بسبب جاذبية الأرض للأجسام نحوها، أو أن نيوتن والتفاحة تسارعا للأعلى، بمعنى آخر شرع أينشتاين بدراسة موضوع القصور الذاتي للأجسام التي تسقط سقوطاً حر، في محاولة إنشاء تكافؤ بين التسارع والجاذبية، من خلال تفكيره في أن الشخص عندما يكون داخل صندوق مغلق، لا يستطيع أن يميز فيما لو كان بداخل صندوق ساكن خاضع لتأثير جاذبية الأرض، أو أنه يتسارع بواسطة صاروخ في الفضاء، وفكر ايضاً بالأشخاص داخل المصعد، فوصل إلى أن هذا التكافؤ يصلح فقط فيما لو كانت الأرض مسطحة، ولكنه لا يتماهى مع كروية الأرض، لأنه سيظهر خطئاً في المقاييس الطبيعية للأرض مع الأفراد فوقها، فالشخصين الموجودين على منطقتين متقابلتين من الكرة الأرضية، مثلاً القطب الشمالي والقطب الجنوبي، سيتسارعان هكذا باتجاهين متضادين، مع أن الواقع يقول أن مسافة أحدهما تبقى ثابتة بالنسبة للآخر.

ليكون هذا التكافؤ بين التسارع والجاذبية صالحاً، افترض أينشتين أن المكان والزمان منحنيين، مثل كرة ثقيلة وضعت على بساط مطاطي،  فسيحني ثقل الكرة البساط أسفلها، وإذا دحرجنا كرات أصغر حجماً  على مقربة منها، ستحاول هذه الكرات أن تسير بشكل مستقيم، إلا أن التجويف الذي احدثه ثقل الكرة الكبيرة، سيجعل الكرات الأصغر تسير  منحنية ضمن المسار الذي صنعه تجويف الكرة الثقيلة،  فلو أسقطنا هذا المثال التقريبي على الواقع، فإن الجرم الكبير، كالشمس مثلاً، لها كتلة كبيرة، تحني المكان والزمان، بحيث تصنع بهذا الانحناء، مدارات للكواكب التي تدور حولها، بمعنى أدق أن التكافؤ بين التسارع والمجال الجذبوي لن يحدث، إلا إذا سبب جرم ضخم، بفعل طاقته وكتلته، انحناء في هندسة الزمان والمكان، وهذا سيؤدي إلى انحناء مسارات الأجرام الأخرى في جيرته، وقد أثبت أينشتاين ذلك بالمعادلات، لتتطور فكرة الجاذبية إلى انحناء في الزمان والمكان، وتسميتها بـ النسبية العامة، لتمييزها عن نظرية أينشتاين الأولى، التي ليس فيها تفسير للجاذبية التي كانت مسمية  بالنسبية الخاصة.

وفي حدث فريد من نوعه، وفي أثناء كسوف الشمس في غرب أفريقيا، رصدت بعثة بريطانية، انحناءاً بسيطاً لضوء أحد النجوم وهو يمر بالقرب من الشمس، وفي هذا برهان على إنحناء الزمان والمكان، إذ أن الشمس تحني ضوء النجم المار بالقرب منها، كما تحني مسارات المكان والزمان الأخرى.

الفصل الثاني: شكل الزمان 

(شكل الزمان الواقعي يحدد من خلال معرفة شكل الزمان التخيلي)

زمان نيوتن المطلق، كمسار السكة الحديد، ننطلق فيه من ماضي لا نهائي، لمستقبل لا نهائي، أما وقد حنى اينشتين الزمان والمكان بنسبيته، حتى أصبح المكان والزمان يسيران ملازم أحدهما الآخر، ولا يتخلّف عنه، فلا ينحني المكان، إلا إذا شمل ذلك الزمان ايضاً، وهذا المعنى الذي يكون فيه للزمان شكل، فكيف سيصبح شكل هذا الزمان؟

اتجاه الزمان يكون واحداً إلى الأمام فقط، من الماضي إلى المستقبل  حتى في الزمكان المنحني الذي كالبساط المطاطي الذي سبق ووصفناه، مع مراعات أن البساط المطاطي حنى المكان ولكنه ترك الزمان من دون أي تغيير، والحقيقة أنه لا يمكن أن نحني المكان من دون إحداث تغيير على الزمان ايضاً، فالمكان والزمان لا يوجدان على نحو يستقل فيه أحدهما عن الآخر، ولا عن الكون الذي يحدد انحناءهما بمقاييسه، كبلورة الكوارتز التي تنظم حركة الساعة، فإذا كانت قياسات الكون هي المتحكمة بدرجة إنحناء الزمان والمكان معاً،  فهل لهذه القياسات حد أعلى أو أدنى؟ أو بمعنى آخر هل للكون بداية ونهاية؟

وما هي تلك المفردة التي يتحدثون عنها، بأنها تنشأ بفعل تقلص الجرم أو النجم من تأثير جاذبيته نفسها، فاقداً إثر ذلك من طاقته، ليكوّن نقطة ذات كثافة لا نهائية، والتي من الممكن أن تكون عندها بداية أو نهاية الكون؟

يبدو أن انحناء المكان والزمان لا يحدث فقط بسبب ضخامة الاجرام، وإنما ينتج ايضاً عمّا فيه من طاقة، تكون إيجابية، لتحني مسارات أشعة الضوء أحدها تجاه الآخر، بإمكاننا رصد أشعة الضوء، الآتية من المجرات البعيدة، لتصلنا في زمننا الحالي، فماضي تلك المجرات البعيدة، هو حاضر بالنسبة لنا، فالنيزك الذي تراه يلمع في السماء، قد يكون سقط منذ 10 سنوات، ولكن ضوءه قد وصل إليك الآن، لذا إشعاع الطور المبكر الساخن، لا يزال موجود حولنا، فاستطاعت أجهزة الرصد إظهار هذا الإشعاع القديم لنا، من خلال ما يُسمى بإشعاع الكون الميكرويفي، الذي يرصد تناثر المجرات في الكون بشكل مخروطي، تتجه قمته إلينا، تكون فيه المجرات التي تٌشكل رأس المخروط، متراصة، أي أن الأجرام كانت متقاربة جداً من بعضها في الماضي، وكثافة الأشياء كانت أكبر، وهذا يجعل فكرة الانفجار الكبير، الذي بدأ به الكون، منطقية بعض الشيء، قبل أن يحصل التمدد في المجرات عند قمة المخروط الذي يقترب من زماننا،  وحيث أن المجرات أخذت تبتعد عن بعضها بشكل تدريجي، هذا يوصلنا إلى نتيجة مفادها أن الكون يتمدد ليواكب هذا الابتعاد المستمر للمجرات عن بعضها، لتصبح في الوضع الذي نحن عليه الآن، نريد أن نقول أن كثافة المادة كانت كبيرة في الماضي لحني الزمان والمكان وبالتالي اشعة الضوء، التي أظهرت هذا الشكل المخروطي للمجرات.

لمعرفة شكل الزمان على وجه التحديد، لا بد أن نتعرف على ان الزمان التخيلي، هو طريقة للتعرف على شكل الزمان الواقعي، بأرقام تخيلية، توضع على خط متعامد (زمان تخيلي تم اعتباره بعد مكاني رابع، فعكسناه) على خط الأعداد الأفقية الواقعية (زمان واقعي)، صانعة بهذا نظام إحداثي، تعين عليه النقاط، وكل شكل للزمان التخيلي يناظره شكله في الزمان الواقعي، قد يكون على شكل كرة، أو سطح منحني، أو حتى كشكل السرج، ولكنه بالتأكيد سيختلف عن مسار السكة الحديد.

الفصل الثالث: الكون في قشرة جوز

(التاريخ المرجح للكون فيه انحرافات صغيرة عن النعومة كالموجودة على 

قشرة الجوز)

إن للنجوم دورة حياة واعمار محددة، تختلف باختلاف كتلة النجم وتركيبه، فعند حد معين يفقد النجم وقوده، ويصل إلى نهاية حياته،  ولهذا تبدو السماء مظلمة ليلاً، فلو أن النجم مستمر بالسطوع منذ الأزل، لبدت السماء مضيئة حتى في الليل، لأن عندها كل خط رؤية في السماء سينتهي بنجم أو سحابة سُخّنت من حرارة النجم، فاصبحت تشع مثله، لأن عملية سطوع النجم أو اضاءته، ما هي إلا تفاعلات اندماج حرارية لعنصر الهيدروجين داخل النجم، لتكوين الهيليوم، الذي تنتج عنه الجسيمات والعناصر الخفيفة، التي من بينها الإلكترونات والفوتونات والنيوترينو،  والتي تصنع إشعاع النجم، فهذه التفاعلات الحرارية، ستسخن الكون بكم هائل من الحرارة، 

ووصول النجم إلى نهاية حياته، سيحافظ على اتزان الكون الحراري، بما لا يجعل كل نقطة في السماء مضيئة.

 كانت المجرّات منذ خمسة عشر(15) بليون سنة، أي منذ الانفجار الكبير، متقاربة جداً من بعضها، ولأن سرعة حركة المجرات تزداد كلما زاد ابتعادها عن بعضها، وُجد أن تمدد الكون لا يحصل بشكل عشوائي، وإنما ضمن قيمة ثابتة، تناسب  سرعات حركة المجرات، تسمى تلك القيمة ثابت هابل(Hubble Constant)، فالكون بدأ بحرارة وكثافة لا نهائيتين، الأمر الذي لا يمكن عنده حدوث أي تفاعلات بعد الانفجار الكبير، وتمدد الكون هو ما جعل حرارته تنخفض بعد ذلك، بما يسمح بحدوث تفاعلات الاندماج النووي الحراري للهيدروجين لتكوين الهيليوم في النجوم، فتشكلت الجسيمات والعناصر فيه تدريجياً، بدءاً من الجسيمات والعناصر الخفيفة، التي تظهر لنا إضاءة النجوم من خلالها، مثل الإلكترونات والفوتونات والنيوترينو، إلى العناصر الثقيلة مثل الكربون والاكسجين، التي نشأت بعد استنفاذ النجم لعنصر الهيليوم، من تفاعلات احتراق الهيليوم في مراكز النجوم، والتي منها  تكوّن الإنسان، والحياة الذكية.

سبب إنهيار النسبية العامة عند تفسير الإنفجار الكبير هو أنها لا تتوافق مع نظرية الكم لماكس بلانك(Max Planck)، التي يبين فيها بلانك، أن الإشعاع الضوئي لجسم يتوهج محمراً بالحرارة، يمكن تفسيره إذا تم بث الضوء أو امتصاصه على شكل حزمات ضوئية منفصلة، تسمى كمّات، وللتمكّن من تفسير بعض الظواهر، ابتدع بعض العلماء وعلى رأسهم هايزنبرغ (Heisenberg)، صورة جديدة للواقع سميت بميكانيكا الكم، تشرح أن تحديد موضع و سرعة الجسيم معاً بدقة، لم يعد ممكناً،  لأنه كلما زادت الدقة في تحديد موضع الجسيم، قلت الدقة بالمقابل بتحديد سرعته، فعند رصدنا بالأجهزة لرسم موجات ذات تردد عالي(طول الموجة أو المسافة بين قمتين متتاليتين أو قاعين متتايين للموجة قصير)، هذا يعني أن هناك اضطراب كبير في سرعة الجسيم، لا يمكّننا من تحديد موقع الجسيم بدقة، فيكون لدينا عدم يقين حول موقعه، أما عند رصدنا موجات ترددها قليل(طول موجي أكبر)، هذا يعني أن الجسيم يحدث حركة أو اضطراب أقل تجعل من السهل تحديد موقعه بدقة، فكل ما حاول الشخص تحديد موقع جسيم بدقة أكبر، قلت قدرته على قياس سرعة الجسيم بنفس الدقة، والعكس صحيح، وهذا ما سمي بمبدأ عدم اليقين، الذي فيه حاصل ضرب عدم اليقين في موضع الجسيم مع عدم اليقين في سرعة الجسيم ينبغي أن تكون القيمة الناتجة أكبر من ثابت بلانك(Planck's Constant)، والذي هو قيمة صغيرة جداً،  وهذه الكمية من الدقة والاحتمالات المتعددة، وعدم اليقين، التي تضمنتها قوانين الكم، تجعل من الصعب تطبيقها على الكون الكبير، ذي الاحتمالات الغير منتهية، ومن هنا كانت الحاجة لظهور مفهوم التواريخ المتعددة للعالم فينمان(Richard  Feynman)، وهي أن الكون لا يكون له تاريخ وحيد، بل يكون له تواريخ عديدة ممكنة، وكل تاريخ وله احتماله، تقول تواريخ فينمان أن الجسيمات تتحرك من موضع لآخر خلال أي مسار ممكن في الزمكان، وتم ربط كل مسار برقمين، فمثلا ً إذا أردنا الانتقال من النقطة(أ) إلى النقطة (ب) فإن هناك عدد لا نهائي من المسارات التي يمكن أن نسلكها، إلا أننا نعتقد في حياتنا اليومية أننا نسلك مساراً واحداً فقط، لأن تجميع إسهامات أو قمم الأمواج وقيعانها، المرصودة، التي أسلفنا شرحها بتحديد موضع الجسم، لكل مسار سيلغي كل منها الآخر، ليبقى مسار واحد، هو الذي نعرفه، وهذا يتفق مع فكرة التواريخ المتعددة، أو حاصل جمع التواريخ.

سبق وأن تحدثنا عن استخدام الأزمنة التخيلية بتحديد شكل الزمان الواقعي الذي يناظره، وهذا بدوره سيفرز لنا أكثر من كون ممكن، فما الذي جعلنا نتواجد بهذا الكون بالتحديد دوناً عن غيره؟

الإجابة جداً بسيطة، وهي أن الكثير من تلك التواريخ الممكنة للكون، لن تكون قد مرت بالسلسلة المتعاقبة التي تشكلت فيها الحياة الذكية، من تشكل المجرات والنجوم وانبعاث العناصر الخفيفة ثم الثقيلة التي كانت السبب في نشأتنا.

أبسط تاريخ للزمن التخيلي هو الكرة الدائرية، ذات الأربعة أبعاد، وهي تمثل كون يشبه ما نعيش به، ولكنها ملساء حد الكمال، فيناظرها تاريخ في الزمن الواقعي يستمر في التمدد السريع بدرجة تضخمية محمومة، لا تتوقف أو تتباطأ ولو قليلاً، لتعطي الفرصة لأطوار الحياة الذكية لكي تحدث، إلا أن تاريخاً آخر، كانت فيه الكرة تحوي بعض النتوءات أو التموجات الصغيرة، كالتعرجات الظاهرة على قشرة الجوز الخارجية، التي تباطأ فيها الزمن لكسر من الثانية، واتاح تشكل المجرات والنجوم، وإنشاء حياة ذكية، تم رصد خريطة فلكية تظهر تلك التعرجات للكون، تجعلنا اليوم نجلس ونتحدث من داخله، عن كوننا الذي يشبه قشرة الجوز.


الفصل الرابع: التنبؤ بالمستقبل

(التنبؤ بالمستقبل بين الممكن وغير الممكن)

نجحت قوانين نيوتن بتفسير حركة الكواكب على تعقيدها، فما الذي يجعل المنجمين يربطون هذه الحركات بمستقبل الناس ومصائرهم؟

فكرة التنبؤ بالمستقبل، تتعلق بقدرتنا على تحديد مواقع وسرعات كل الأجسام الموجودة في الكون في أحد الأوقات، وهذا ما تم تسميته بالحتمية العلمية، ولكن أن أي تغيير ولو كان بسيطاً، في هذه المواقع والسرعات، سيكون السبب في حدوث سلوك مختلف لاحقاً، فيما يُعرف بخاصية الشواش(chaos) ، التي قد يؤدي فيها خفقان جناح فراشة في منطقة ما، إلى هطول أمطار في قارة أخرى من العالم.

وقد تم التعديل على مفهوم الحتمية العلمية بما لا يقيدها، ليتضمن مبدأ عدم اليقين بشكل آخر، يمكّننا من التنبؤ بدقة بنصف ما كان يُتوقع أن نتنبأ به سابقاً، بمعنى أن حتمية الكم لا تزال موجودة ولكن بمقياس منخفض، عن طريق ما يسمى بـ الدالة الموجية، التي تقدم لنا وصف لكل الاحتمالات الممكنة لمواضع وسرعات الأجسام، في نقطة معينة، ولا تحدد بدقة الموضع والسرعة كما في المفهوم السابق، أي أنها تعطي الاحتمالات عن وجود الجسيم في ذلك الموضع، عند كل نقطة في المكان، ويخبرنا المعدل الذي تختلف به الدالة الموجية من نقطة إلى أخرى، بمدى احتمالات سرعات الجسيم المختلفة، فإذا افترضنا أن الزمن يتواصل بسلاسة في كل مكان وإلى الأبد كما في زمن نيوتن، أو حتى زمان اينشتين المتغير المسطح، فإذا كنا نعرف الدالة الموجية في أحد الأوقات فإن معادلة شرودنجر (Erwin Schrödinger)، تتيح لنا حساب والتنبؤ بالدالة الموجية في أي وقت آخر بالمستقبل أو الماضي، ولكن بالنسبة لزمان أينشتاين المنحني، فلا يمكن استخدام طريقة الدالة الموجية للتنبؤ بالمستقبل، لأن هذا الانحناء فيه نقط ركود يتوقف عندها الزمان، بما يُعرف بالثقب الدودي.

عندما يصل النجم الضخم إلى نهاية حياته، فينفذ وقوده بحيث لا يستطيع الدوران، فإنه سيتقلص إلى نقطة الصفر، ذات الكثافة الا نهائية، وهي مفردة الثقب الأسود، التي لا نستطيع رؤيتها، نظراً لأنها جسم مظلم، ولكننا سنشعر بمدى جذبها لأي ضوء أو رائد فضاء عاثر الحظ يقع في أسرها، إذا ما تخطى منطقة الحد الفاصل منها، المسماة بأفق الحدث.

ما مصير كل ما يهوي داخل الثقب الأسود؟

من المعلوم أن الزمن سيصل إلى نهايته لأي جسم يدخل الثقب الأسود، ولكن هناك تخمينان لما قد يحدث، الأول: هو أن كل ما سقط داخل الثقب الأسود سيعاود الظهور، بعد تبخره واختفاءه، والاحتمال الثاني: هو أن كل ما هو داخل الثقب الأسود من أجسام ومعلومات سيكون مصيره الزوال.

ضياع المعلومات داخل الثقب الأسود ستعيق عملية التنبؤ بالمستقبل، لأنها ستمنعنا من أن نحدد مواقع وسرعة كل الأجسام في وقت ما، ولكن إذا وجدنا طريقة ما لتخزين المعلومات عمّا داخل الثقب الأسود، ستظل إمكانية التنبؤ موجودة، وهذه القدرة التخزينية لا يمتلكها إلا تصور جديد لعالم خارق خفي، يسمى ب(البران)، ولتوضيح فكرة البران، دعنا ننظر إلى حركة البندول، ففي أقل وضع طاقة له، هو أن يتجه مباشرة نحو الأسفل، ولكن مع ذلك يبقى هناك احتمال أن يميل البندول ولو بدرجة بسيطة، أو زاوية صغيرة عن اتجاهه العمودي، أي أنه يظل يحتفظ بكم قليل من الطاقة، حتى في أوضاع سكونه، وتسمى هذه القيم المتراوحة من الطاقة ب تراوحات الحالة الأرضية، وهي قيم لا نهائية تتعلق بقوى الجذب، وتؤثر على القياسات، بحيث لا يكون لدينا قيمة محددة للكتلة أو الشحنة للالكترون نظراً لتشابه مجال ماكسويل(Maxwell) الذي تسلك فيه الموجات نفس تراوحات البندول، بتارجح قيم الموجات داخل المجال من قيمة لأخرى، فالتغلب على مشكلة التراوحات التي تسبب لانهائيات اوتُحدث خللاً في القياسات، ممكن عن طريق افتراض وجود أبعاد إضافية للزمان والمكان، والتي تتحقق فيما يسمى بالبرانات-p وهي أشياء تمتد في الأبعادp، التي هي في الأساس قيم في الزمكان، فالبرانات-p تتخذ أشكال مختلفة باختلاف قيمp، نتيجة حركة وتذبذب طاقة الجسيمات الصغيرة من الالكترونات و البوزترونات والكواركات بطرق مختلفة، فعندماp=1 تتذبذب الجسيمات بحيث تتخذ هذه البرانات شكل الوتر، وعندماp=2 تتخذ شكل الأغشية، وأشكال أخرى بتغيّر قيمp كالحلقة أو الطارة وغيرها، هذه الأبعاد الإضافية لا يمكن ملاحظتها بالعين المجردة، وإنما يمكن رصدها في جهاز تصادم مثل الهادرون، فيمكن أن نتصور الثقوب السوداء بأنها ستتقاطع مع البرانات-p في الأبعاد الاضافية للزمكان،  وتخزّن المعلومات عما داخل الثقب الأسود كموجات على البرانات-p فهذه البرانات تستطيع أن تمتص الجسيمات وتبثها مثل الثقوب السوداء.


الفصل الخامس: حماية الماضي

(العودة للماضي وتآمر قوانين الفيزياء للحؤول دون ذلك)

ما الذي سيحدث لو عاد المرء وراءً في الماضي، وقتل جده، قبل أن يتم الحمل بوالده؟ 

يتطلب الأمر براعة وحذر، عندما نفكر في موضوع السفر في الزمان، ولأن النظرية النسبية العامة، هي المرجعية الأولى لكل نقاش حول هذا الموضوع، نستطيع أن نقول أنه إذا كان المكان والزمان منحنيين إلى حد كبير، بدرجة تجعلنا نسافر بما هو أقل من سرعة الضوء، عندها فقط سنتمكن من السفر إلى الماضي، ولكن ماذا عن النسبية العامة لاينشتاين، التي تعارض إمكانية حركة أي جسم بما هو أقل من سرعة الضوء، والذي يتطلبه السفر عبر الزمن بشكل أساسي؟ كيف سنتغلب على هذه المشكلة؟

الأمر يتعلق بانحناءات الزمان والمكان، وإمكانية احتوائها على انحناءات شبه زمانية، تكون مغلقة، بمعنى أنها تعود لنقطة بدايتها مرة أخرى، وهذا يتوقف على النظرية التي سنتبعها لتحقيق السفر عبر الزمن، فالنظرية النسبية العامة، تفترض أن الكون له تاريخ محدد بدقة، وليس فيه أي عدم يقين، مما يجعلنا نستبعد استخدامها لهذا الغرض، وايضاً النظرية النسبية الخاصة مع أن إستخدام الكم وعدم اليقين فيها، الأمر الذي يجعلها قريبة من الاكتمال، ولكن كلاسيكية المكان والزمان، المحدودة بالشكل المسطح، هي ما تجعلنا تعزف عن استخدامها،  فكلتا النظريتين النسبية العامة والخاصة لن تتيحا لنا السفر في الزمن، ليبقى لدينا آخر خيار وهو نظرية كم للجاذبية كاملة، دون الحاجة لوجود عدم اليقين وتراوحات للمكان والزمان، والذي سيمكننا من السفر إلى الماضي، ولكننا عندها سنعود إلى ماضي لا نهائي، في الوتر الكوني الواحد، وهو أشياء لها طول ولكنها بقطاع عرضي دقيق، كوتر الكمان، ولكن المادة التي تشكل هذا الوتر هي من الجسيمات الأولية، كالتي كانت موجودة في الفضاء عند الانفجار الكبير، ولكن وتر واحد لا يكفي لذلك، وإنما بإستخدام جزء من وتر كوني آخر، يؤدي إلى تقليل المسافات في المكان والزمان بحيث تحتوي على انشوطات زمانية وهي أماكن يتم السفر في الزمن من خلالها.

 ينبغي أن نذكر هنا أنه لا يوجد ما يثبت أن هذه الطرق من الانحناءات الزمكانية موجودة فعلياً في كوننا، ولكن ما عرضناه هو مجرد افتراضات وتصورات حول ما هو ممكن، ضمن قوانين الفيزياء الحالية،  بما يؤيد أو يضحد السفر في الزمن.

إحدى الطرق التي ستجعل السفر في الزمان ممكناً، والتي ستحل لنا مشكلة السرعة في المكان، فما كان سيستغرق منا آلاف السنين لقطعه، سنبلغه الآن خلال وقت قصير جداً، أو قد تعيدنا إلى ماضي نقطة ما إذا أردنا، وهي لو كان هناك ثقوب دودية؛ وهي أنابيب في المكان والزمان تصل بين المناطق المختلفة، وتحرّك الأجسام الواقعة بداخلها بسرعة أقل من سرعة الضوء، فتكسر حاجز الزمان، بحيث لو دخلت مركبة فضائية داخل ثقب دودي، ستخرج منه عند مكان وزمان آخرين، أما لو كان للثقب الدودي غير عميق وذو طرفان، سنتمكن أن نسير خلاله ونخرج عند الوقت نفسه.

وإذا أسقطنا ظاهرة مفارقة التوائم السالف ذكرها، على فوهات الثقوب الدودية، فاُخذ أحد طرفي الثقب في رحلة طويلة، بينما بقي الآخر على الأرض، فباعتبار الفوهتان هما التوائم، عندما تعود الفوهة المسافرة، ستكون قد سجلت وقتاً، أقل من الفوهة الباقية على الأرض.

الصورة التخيلية لشخص يقع على حدود آلة السفر في الماضي؛ أنه عند وصوله لمنطقة محددة، سوف يدور ويدور بأسرع وأسرع، واقعاً في فخ التواريخ المتكررة، كأن يعيش نفس اليوم مرات عدة، ثم عندما يصل إلى سرعة الضوء، سيُمسح من الوجود، بصاعق من الإشعاع.

لنعود للشخص الذي عاد ليقتل جدّه، هل يمكن لرصاصة اُطلقت في ثقب دودي، أن تؤثر فيمن أطلقها؟ 

في أحد الحلول الممكنة لهذه المعضلة:

يتوقع لو كان المرء لديه الإرادة الحرّة بأن يفعل ما يشاء عندما يعود للماضي، فإن لحظة القتل ستستمر في تكرار نفسها داخل حلقة مغلقة، وكل ما سيحدث بعد ذلك سيتوقف على سلوك الحفيد في كل مرة.

هذا إذا افترضنا عدم وجود ما يسمى "حماية التقويم الزمني"؛ الذي يجعل قوانين الفيزياء كلها تتكاتف لتمنع السفر في الزمن، وإحداث خلل في تسلسل الأحداث الزمنية.


الفصل السادس: مستقبلنا.. أهو في «ستار تريك» أم لا؟

(متقدمون ولكن هناك محددات تجعل الفرق بيننا و ستار تريك واضح)

يصور لنا مسلسل الخيال العلمي الأمريكي الشهير «ستار تريك» مجتمع مختلف عنا تماماً في مدى تقدمه، على مختلف الأصعدة العلمية، والتكنولوجية، والسياسية، والتنظيمية.

نحن اليوم في تقدم علمي وتكنولوجي لا ريب، وهو تقدم مبشر لا ينذر بأي تباطئ أو توقف قريب، ولكن التاريخ لم يسجل أن أستمر البشر في حالة ثابتة من التقدم والمعرفة منذ آلاف من السنين، فما الذي قد يحدث؟

ولمّا كان للنمو السكاني الذي يتزايد سنوياً، مضاراً في الاكتظاظ السكاني وزيادة حرارة الأرض، بسبب حرق الوقود، إلا أن هذا التزايد يعد مقياساً لقدرتنا التكنولوجية، كما معدل استهلاك الكهرباء وعدد المقالات العلمية المنشورة.

لماذا لم نستطع السفر لاستكشاف النجوم والمجرات مثل «ستار تريك»؟

لأن هناك كثير من المحددات التي تعقينا، أولها أن معرفتنا العلمية غير مكتملة لتجعلنا نسافر بسرعة الانحناء، وحتى وإن توصلنا لهذه المعرفة التي تجعل السفر ممكن، فإن أجسادنا غير مؤهلة لفعل ذلك.

هنالك محاولات كثيرة لجعل الإنسان يكتسب صفات عقلية وبدنية أفضل من تلك الموجودة لديه حالياً، عن طريق ما يسمى بالهندسة الوراثية، والزراعة العصبية التي تعمل على تنمية المخ البشري خارج جسم الإنسان، ليصبح أسرع أو أكثر ذكاءً، ولكن هذا ايضاً ليس بالأمر الهين، ولا بالآمن، لأن البشر الذين سينتجون عن هذه العمليات لن يعودوا يشبهونا كثيراً، وقد يسبب ذلك بعض المشكلات الأخلاقية، ومشكلات أخرى ذات أسباب بيولوجية، فالبطء في الناقلات الكيميائية للمخ بالنسبة للقدرات الجديدة، ستسبب للشخص بأن يكون أما ذكي فقط، أو سريع البديهة فقط، دون القدرة على الجمع بينهما.

ولكن لن ننكر أننا لسبر الكون كما في «ستار تريك»، أما سنستخدم البشر المهندسين وراثياً، أو مجسات بلا بشر يتحكم فيها الحاسوب، فإذا حدث ذلك ربما نجد حيوات بدائية بالنسبة لحياتنا الأرضية، لأن لو كان هناك حياة ذكية أكثر تقدماً منا، فلماذا لم يأت سكانها لاستكشاف عالمنا؟


الفصل السابع: عالم البران الجديد 

(إما أن كوننا كما نتصوره أو أننا صور هولوجرافية تعيش على بران)

الشعرة البشرية تظهر وكأن لها بعد وأحد، في حين أننا لو وضعناها تحت عدسة مكبرة، لتمكنا من رؤية أبعادها الأخرى.

عالم البران مشابهاً في هذا، يبدو لنا فيه المكان-الزمان بأربعة أبعاد فقط، ولكنّ له عشرة أبعاد أو أحد عشرة بعداً تكون ملفلفة لحجم صغير جداً بحيث لا نلاحظها، ولو اخترقناها بجسيمات لها طاقة عالية جداً، لتمكنا من رؤية هذه الأبعاد الإضافية، والسبب في ذلك أن المادة وكل القوى غير الجذبوية مثل القوى الكهربائية، ستكون مقصورة على البران وبالتالي تنوجد بأربعة أبعاد فقط، ولا ينتشر في تلك الأبعاد الاضافية إلا الجاذبية.

لدي خبر صادم لكم يا أصدقائي، وهو أننا قد نكون اليوم، نعيش على هذا البران الذي وصفته لكم، لم تصدقوني أليس كذلك؟

حسناً، تسمع عن التصوير الهولوجرافي،الذي يتم فيه تخزين كل الظواهر والمعلومات بحذافيرها عن عالم ما بعدد من الأبعاد ونقلها على سطح بأبعاد أقل، فمثلاً يتم نقل صورة العالم ذي الثلاث أبعاد، على سطح من بعدين، فستظهر صورة ثلاثية الأبعاد للشيء الأصلي المصور، بحيث لو درنا حول الصورة، سنراها من كل الجوانب، ويتم ذلك عن طريق أحداث سلسلة مرتبة من الانقسامات والتجمعات لضوء شعاعٍ من الليزر.

وبنفس الطريقة نكون نحن الصورة ذات الأربعة أبعاد التي يبثها البران ذي العشرة أو الأحد عشر بعداً، ولكننا لا نستطيع تمييز ذلك، نظراً للتماثل الدقيق في نقل الأوصاف، وهذا البران اما أن لا يكون هناك شيء خارجه، فتكون الأبعاد الإضافية مثنية كالسرج لضبط الجاذبية، أو أن هناك بران آخر يلاصقه، لتنتشر الأبعاد الإضافية المحملة بالجاذبية عليه، أو قد يكون خارج البران فضاء يختلف عما داخله، ويحدث تمدد وتقلص له، كالفقاعات في الماء المغلي، والذي نظنه نحن تمدد للكون، ولكن الخوف يكمن في أن تُنفَخ الفقاعة(البران) التي نعيش عليها لدرجة تصطدم بفقاعة مجاورة لنا، ويكون هذا السيناريو الآخر المحتمل لوصف الانفجار الكبير لنهاية العالم.

الأفكار الرئيسية:

1)تحديث مفهومنا للجاذبية، بما تكوّن لدينا من معلومات جديدة حول انحناء الزمان والمكان بفعل كتلة وطاقة الأجرام الضخمة.

2) الكون ليس ثابت، وإنما يتمدد تبعاً لما يحصل فيه من ابتعاد للمجرات عن بعضها.

3) تشابُه شكل تاريخ كوننا ذي التعرجات والنتوءات التي سمحت بتشكّل الحياة مع الانثناءات الموجودة على قشرة الجوز.

4) بداية ونهاية الكون، بين الإنفجار الكبير ومفردة الثقب الأسود.

5) لا يمكن نفي أو إثبات إمكانية السفر عبر الزمن، كما لا يمكن نفي أو إثبات إمكانية التنبؤ بالمستقبل، ولكن يمكن الحديث حول الأمور التي تجعلها ممكنة، وأخرى  تصعّب حدوثها.

6) ستار تريك عالم متطور مثالي، يتجاوز فيه الخيال العلمي عن كل المحددات التي تمنعنا حالياً من استكشاف كل ما في الكون.

7) مناقشة إمكانية أن نكون مجرّد صور هولوجرافية، مصدرها بران، ذي أبعاد أكثر مما يمكننا تصورها.

تعليقات

المشاركات الشائعة