في صحبة الغروب


الساعة الآن السابعة وخمس دقائق بتوقيت صومعتي المتواضعة، إنها ساعة الغروب، ذلك الوقت الذي تتخلى فيه الشمس عن سطوتها لتترجل عن عرشها، تاركةً ورائها ذلك الأثر الأرجواني الآسر، لتذوب فيه آخر خيوط ضوء النهار، وتتسرب بخفوت جميل، ليحل محلها عتمة بداية ليلة جديدة.                    
  النعاس يدغدغ أجفاني ويغري حواسي المرهقة، وذهني المتاجج بكل ما هو مهم وغير مهم، غير أنني قاومت ذلك الشعور المتطفل الذي كان سيحول دون مشاهدة ذلك المنظر البديع من الخارج، كنت أفكر في هذا وأنا أراقب من النافذة  تلك اللوحة الفنية التي رُسِمت بأنامل المبدع الأول والملهم العظيم لكل صور الجمال، ذهبت بسرعة وبدلت ثيابي ولم أنسى إرتداء حذائي الرياضي المريح والمناسب لما كنت سأفعل، وضعت سماعات الأذن خاصتي وشرعتُ أمشي على أنغام أغنيتي المفضلة، أغنية (I will survive)
للرائعة ( Gloria Gaynor )
 تلك الأغنية كانت تعني لي الكثير، هي من الثوابت النادرة التي لازمتني في معظم مراحل حياتي، محملة بكم هائل من الذكريات، كانت تمثل بالنسبة لي وسيلة للإحتفال بلحظات الأمل والبهجة تارة، والصندوق الأسود الذي دُفنت فيه معظم أوقات اليأس والضعف تارة أخرى.
أسير الآن بلا وجهة، كغالبية رحلاتي التي لم يكن الهدف منها يوماً هو الوصول إلى شيء محدد بقدر رغبتي في الحصول على سعادة المسير، أن تأمل في اللامألوف الذي سيقتلع معه كل أسوار الخوف التي لطالما قيدتك، لا أعرف كم مضى من الوقت على مسيري هذا، لكن قدماي باتتا تؤلماني، وأنفاسي انقطعت وأنا أحاول الوصول إلى قمة ذلك المرتفع من أمامي.
 ها أنا ذا !
أقف على تلةٍ تطل على السماء وكل ما تحتها، هكذا بدا لي الأمر وأنا أرى ما لا حدود له، وأحدق بالسماء بشكل مستمر جنوني، وكأنها ستهرب مني، بدت لي مختلفة، وكأنها اليوم عالم بحد ذاتها...
عالم لطالما انتظرت منه أن يشفق علي ويخبرني بسر من أسراره.
إنتظرت كثيراً  من مكاني حيث التلة التي جلست عليها، كان المكان خالياً تماماً هنا، ليس فيه سوانا، أنا وسمائي، ولكن شيئاً  لم يحدث، فقررت أنني أنا من سأكملها ما دامت هي تُعرضُ عن ذلك، قلت وأنا مستغرب مما أفعل:
"مر وقت طويل منذ أن تحدثتُ فيه بهذه الطريقة...لا أعرفُ إن كان من الصواب أن أتحدث لكِ، ولكنني الآن في أمس الحاجة إلى رسالة، كلمة أو حتى إشارة، لابد أنكِ تعرفين الكثير ومحملة بالكثير و...
أعلمُ أن لا دخل لكِ بكل هذا ولكنني لا أجرؤ على خطابه...
فاسمحي لي الآن بأن أكتفي فقط بالتحديق بك..".
 


تعليقات

المشاركات الشائعة