المشهد الثاني (غازي)



يجلس غازي على كرسيٍ خشبيٍ غير ثابت الأرجل في ركن المطبخ، يلفُ نفسه بعباءةٍ بنيةٍ قديمة، تكشف عمّا تبقى من ساقيه، كان ينظر إلى النافذة التي تغطي الأشجار نصفها الخارجي بإسهاب ووجوم، اعتاد أن ينتظر كل شيء بوجل وقلق، حتى انتظاره لإبريق الشاي الذي وضعه تواً على الموقد، ولا يُلام على ذلك، فلم تشقُ له الحياة ثغرها يوماً  بابتسامة، فمنذ وعى وهو يعاني فقراً مدقعاً، ثم فقراً ومرضاً وحرباً، وفراق وتهجير... والقائمة تطول...


ولكن كان دائماً الفقر ملازماً له، سائراً بجواره، وفياً لصحبته، ويا له من وفاء !


 


- غازي.. غازي..


 


-ايّ


 


- أناديك منذ فترة لتأخذ الدواء، فيما أنت ساهم؟


 


آاااه يا أم حسن، وفيما لا أنشغل؟ ثم من قال أني سآخذ هذا الدواء، الا يكفي ما لدي من أمراض ليضيف لها هذا الدواء النسيان وعدم التركيز، أصبح الأمر محرجاً جداً.


 


- كم مرّة تحدثنا في هذا الموضوع ،والطبيب قالها لك مراراً، ستعود لك النوبة إذا لم تأخذه، حباً بالله يا غازي..


 


- حسناً حسناً، ضعيه هنا.. هل خرج حسن؟


 


- سيخرج بعد قليل.. هل تريد منه شيء؟


 


- سأخرج معه


 


- إلى أين؟


 


- اتصل بي المهندس جهاد أبن الحاج غنّام، يريدون تنظيف العمارة التي ستسكنها عائلته قريباً، تعلمين ليس ذلك الأجر المجدي ولكن...


 


- لا تذهب، لست مضطراً لهذا.


 


- بلى، أنا مضطر، فلا ينقصني فوق كل هذا سوى فراغ تلتهمني فيه أفكاري، الألم يعتَصرُني ، والذنب يقتلني كلما نظرتُ لعين حسن شبه المغلقة، بعد ما تعرض له في عمله، أليس ذلك ظلماً؟


أن يفقد ذلك الشاب الذي لم يرى شيء بعد عينه،  وأظل أنا بعينين.


 


- لا تقل هذا عن نفسك، هذا قدر الله، ونحن سائرون بالعلاج ، والأمل بالله كبير، ثم أنك لا تزال في نظري ذلك الشاب القوي صاحب الابتسامة الجميلة، ألم تسأل نفسك لماذا أناديك غازي بالوقت الذي تصرّ أنت على أن تناديني بأم حسن؟


 


- ايّ أعرف، لأنني غازي


 


فانفجرا ضاحكيّن ونسيّا أمر ذلك الإبريق الذي قارب على التبخر.


....يتبع

تعليقات

المشاركات الشائعة