المشهد الأول (عمارة الحاج غنّام)



- تخيل معي هذه العمارة وهي تنهار راسياً بالعرض البطيء، على موسيقى أغنية:


(Non, je ne regrette rien)


ل (Edith piaf)


بعد أن نكون طبعاً قد حشونا قاعها بالديناميت، ثم نظهر أنا وأنت من وراء هالة الغبار الناتج، ونحن نصفق ونضحك مشيرين لها كالحمقى، والناس من حولنا يسعلون ويشاهدون ذلك بهلعٍ واستغراب، متسائلين عما يحدث،


كم سنتلذذ بهذا المشهد السريالي العظيم! 


 


- دعني أكمل لك المشهد الذي لن يظل عظيماً : ثم ستشعر بطلقاتٍ تخترق مؤخرتك والتي ستكون بالتأكيد خارجة من بندقية صيد الحاج غنّام، ثم ستصرخ كال...


 


- آااه، سبحانه في مكانه، يرسلنا إلى آخر أصقاع الأرض لنصبح أطباء ومهندسين، ليتباهى هو أمام الناس، ثم يعيدنا إلى هنا صاغرين لنتجرّع ما ظننا أننا نجونا منه من " تخلّف ورجعية".


 


-بالله عليك لا تقل هاتين الكلمتين، فآخر مرة سمعهما كنّا سنقضي ما تبقى من حياتنا صمّ؛ بعد أن ظلّ الحاج ساعة ونصف يعلو ويهبط، يجيء ويذهب وهو يصرخ ويفرقع ببندقيته مهدداً، ولاعناً لهذا الزمن، ألم ترى ماذا فعل الجيران عندئذ؛ لقد أخرجوا الكراسي وعمّروا الأراجيل والشاي ليسمروا مع ذلك المسلسل الإذاعي الذي يُقام على شرفنا، أرجوك لا أريد لذلك اليوم ان يُعاد.


 


- تباً لحياتي...


 


- المهم أن تخبر غازي أن يحضر غداً لتنظيف العمارة بالكامل قبل فرشها، لا تنسى فهو قرار من السلطات العليا..


 


- حاضر، سأخبره ولكن آمل أن لا تنهار هذه العمارة على رأس ذلك المسكين، فعمرها يفوق عمر (الحاجة أمينة)* بثلاثة أضعاف.


 


(*الحاجة أمينة هي أكبر معمرة في القرية ليس لها شهادة ميلاد ولكن يقدر عمرها بمائة واثنين عام).


 


جهاد وخالد هما أولاد الحاج غنّام، شباب في مُقتبل العمر، لم ولن يكن لهم يوماً إرادة أو قرار شخصي حتى في أبسط الأمور التي تخص حياتهما، وإن بلغا من العمر عتيّا ومن العلم عليّا، ما دام الحاج غنّام يطوق رقابهم بذراعيه المليئتين بالأموال المسمومة، فما إن يتنفسا حتى يشدّ بقبضته مستعيناً ومذكراً بالعقوق وغضب الله، هم لا يطلبان إلا الاستقلال المستقرّ دون أن يعلما ما الذي قد يجعل ذلك يتعارض مع العقوق والسخط بهذه الطريقة، والحقيقة أن الحاج يتعامل معهم كملك من أملاكه الشخصية الكثيرة، التي تتجرد من أيّ مشاعر حب أبوية، ويؤثر الإبقاء على جبروته وتمسكه بمعتقداته القديمة والبالية التي لم تعد تتماشى مع الجيل الحالي عن الجلوس والاستماع لأبنائه.


      يتبع…

تعليقات

المشاركات الشائعة