حيوانات الحي السعيدة (الجزء الثاني)


كنا في طريق العودة إلى المنزل بعد يوم كامل من التسوق المضني قضيناه أنا وشقيقتي، أخذنا نمشي فيه ببطئ سببه لنا تعب اليوم الكامل في التنقل المستمر بين المحلات والمتاجر دون توقف وما نحمله أيضا من أكياس أثقلت كاهلنا وبدأنا نناقش بحماسة ما اغتنمنا من مشتريات والأوجه التي يمكننا من خلالها ارتداء قطع الملابس التي احضرناها إلى أن سمعنا أصوت قرقعة من الخلف لم يتسنى لنا تمييزها إذ التفتنا لا اراديا إلى الخلف ثم حانت منا التفاتة سريعة لبعضنا  البعض بملامح يملاها الذهر والدهشة معا، كان "اشهب" يعدو ويتخبط كالملدوع من خلفنا مقترب بشكل جنوني نحونا، فبدأت الجري من فوري ثم ألتفت إلى أختي لاحذرها وأخبرها أننا يجب أن نهرب الآن وإذا بها على بعد شارعين مني ، تلك اللئيمه منذ متى وهي تتقن الركض بهذه الصورة، لا يهم يجب أن انجو بحياتي الآن لا أريد أن أموت تحت أقدام هذا الحصان المجنون فبدأت الركض بكل ما تبقى لدي من طاقة حتى أنني شعرت بأقدامي وهي ترتطم بتلك الأكياس الكثيرة التي أحملها واتخيل تلك الأكياس في صعودها وهبوطها من جراء الحركة المستمرة وشكلي الذي أصبح أشبه بشخصية "باتمان" ، ولكن عوضا عن ردائه الأسود كانت الأكياس هي ردائي، كانت الأكياس في اثناء ركضي تعلو وتهبط وفي أثناء هبوطها ترتطم بأقدامي الأمر الذي آلمني كثيرا ما كان يفترض بنا الذهاب لمتجر الأحذية اللعين ذاك لقد احسست بالحذاء وهو يسقع قدمي لدرجة أنني لم أعد متأكدة من أن ضربة قدم الحصان ستكون أكثر إيلاما، ومع كل السرعة التي تخيلت نفسي أعدو بها أتضح أنها كانت بطيئة جدا لأن "اشهب" الأحمق تعداني وأصبح أمامي الأمر الذي جعلني أتنفس الصعداء وأعود إلى مشيتي السابقة المترنحة، ولكن فرحتي لم تكتمل إذ شعرت فجأه بشيء يلكزني بقوة ليتضح أنني كنت احجب الطريق عن"ثلجي" في سباق الخيول المختلة ذاك، لتدفعني قدمه المليئة بالقاذورات لاستقر على ركبتي مصدومة مما حدث ، لا يهم قمت وأكملت طريقي لأجد شقيقتي تنتظرني عند عتبة باب منزلنا حيث يبدو أنها كانت تستمتع بمشاهدة فيلم المطاردة الكوميدي من أعلى التلة التي يقبع عليها منزلنا ، وهي تكاد تسقط على الأرض من شدة الضحك، دفعتها من أمام الباب لادخل وأنا اتفوه ببعض العبارات النابية التي لا يجب أن أذكرها الآن .

وفي وقت الأصيل من عطلة نهاية الاسبوع ذاته ، خرجت إلى حديقة المنزل الخارجية، كنت قد اعتليت السور  أحاول قطف بعض حبات اللوز الأخضر ذات المذاق اللذيذ والحموضة اللاذعة المحببة إلى قلبي، كان السور الخارجي يغطي جسدي ولا يظهر مني الا جزء من رأسي أخذا مكانه بين الأغصان المتشابكة والأوراق الكثيرة، ولكني أرى كل شيء من هنا ، شعور جميل جدا أن ترى الأشياء من الأعلى، وفي أثناء انهماكي بقطف لوزاتي اللذيذة وقرقعتي للأغصان التي خدشت كل جزء من يدي ودخلت زهور اللوز المتفتحة حديثا في أنفي، لتنتهز كل هذا "زعروره" اللعينة وتقف على رأسي بصورة مستفزة جدا جعلتني أتحرك حركة مفاجئة لابعادها عني لافقد من جرائها توازني وأسقط إلى الخلف وافترش الأرض أخذة وضعية الاستلقاء بشكل غريب ومؤلم ، لفتني في تلك اللحظة منظر الأجزاء الزرقاء التي ظهرت من السماء كخلفية ثابتة  للأغصان والأوراق ألتي ظللت على الصورة من فوقي، كان مشهدا مختلفا تماما وقد اعتمرني الأسى تجاه نفسي في تلك اللحظة الغريبة لم يكن ذلك بسبب آلالام الجسدية التي أصابتني بالطبع وإنما أعتقد أنها هول المفارقة السريعة بين لحظة مضيئة جميلة مليئة بالحيوية والتفاؤل من الأعلى وأخرى مفاجئة قاتمة مؤلمة يملاها السكون والصدمة من الأسفل ،  ولكن ما هي إلا لحظات حتى عدت إلى عالمنا نافضة الأتربة والاوساخ عن ملابسي لاقف واعدل هندامي مستذكرة فعلة تلك المسخ ذات الريش الأبيض القذر وأنا أمسح المكان بعيني علي أعثر عليها لدرجه أنني تمنيت أن أمسك بها ولو أنني أيضا أملك سهم "روبن هود" وقدرته على التصويب وتخيلت نفسي وأنا اقتلها بسهمي ثم احشوها بالأرز  لاشويها بعد ذلك وأخلص باقي المخلوقات من قذارتها،
و"صياح" شاهدا على ذلك كله، بنوبة مستمرة من الصياح والنقيق وإصدار الأصوات الغريبة ، ذلك المخبول لا يفرق أبدا بين الليل والنهار لابد أن يكون ضريرا وإلا قنصته بحجر بين عينيه عديمتي الفائدة يرديه قتيلا في أحد أطباق مالكيه.
ولكن رغم كل ذلك أستطيع أن أقول لكم أنني اليوم وصلت لدرجة من التعايش مع الحيوانات تجعلني ألقي التحية على "غضبان" وأصدقائه كلما صادفتهم في طريق الخروج أو العودة...لا تصدقوني أنا أمزح فقط، لازلت أهرب واسلك طرقا خالية أضمن أمانها منهم ولكن يمكن أن نقول أعتدت فقط على وجودهم، وأنني أيضا أحب حينا كثيرا مهما حدث ، وتعجبني تركيبته المختلفة ، وقد أيقنت أن كل تلك الأمور ما كانت تحدث إلا لتشكله وتميزه ، وتخلق أجواء إستثنائية فيه، ليصبح ما هو عليه الآن "حينا جميعا" .


تعليقات

  1. جميلة جداً جداً.... أكثر ما أعجبني سقوطك على الأرض ومنظر السماء الأزرق اعتقد انني لم أنظر لزرقة السماء منذ مدة... لا استطيع انتظار الغد

    ردحذف
    الردود
    1. سعيدة جدا بكلامك الجميل ودعمك الدائم❤❤😍

      حذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة