صديقان في قسم العزل
تمنيت لو أنني أستطيع أن أكتب بقلبي، لو أن كل ما أشعره يمكن إظهاره على الملأ، لا يهم إن كان مناسبا أم لا، لا يهم إن كان حدثا مشوقا أو خبرا هاما يستحق السرد، المهم فقط هو أن يشابه أحدهم، قد يفسر له شئ لم يستطع هو رؤيته، قد يشعر بالألفة إزاء ذلك، أعتقد أن هذا ما يهم الآن، هو أن نشعر بالألفة الرضا والراحة، كان ذلك كل ما حرصت على إيصاله لحظة أن قررت نقل قصة أبطالنا اليوم:
كان كل شيء مبللا في الخارج وقطرات الماء قد وصلت إلى كل جزء في المكان، قبل أن تطل أشعة الشمس التي سلطت نورها مظهرة كل هذا الجمال، أبتسم أمجد الذي كان يراقب المشهد من علي ويتأمل قطرات الندى وهي تتلألأ عاكسة ما سقط عليها من أشعة الشمس بصورة بديعة...وكأنها حبات لؤلؤ حقيقية...
دخل ياسر بخطوات متثاقلة بعد أن فرغ من جرعته العلاجية الأسبوعية ليستقر واقفا بمحاذاته ناظرا إليه نظرة استنكار غير معلنة ، تحدث أمجد بعد دقائق صمت تأملية ليقول دون أن يلتفت إليه :
-عندما تخرج صباحا بعد ليله كاملة من المطر الشديد ترى أشياء جميلة، تشعر بأن كل شيء قد ولد من جديد...كل شيء مختلف، ترى البيوت وقد غسلتها الأمطار لتبدو اغمق مما هي عليه في العادة، وتشعر بقطرات الماء التي تجمعت وهي تنساب بلطف عن الأسطح...وتداعب الرياح وجنتيك الدافئتين قبل أن تكمل طريقها لتلامس أوراق الأشجار وأغصانها في تلك الحركات الاهتزازية الأشبه بالرقص.
- كيف يمكنك ذلك؟
قال ذلك ياسر والدموع تتساقط من عينيه المتعبتين وكأنها قطرات الندى التي تحدث عنها،
استطرد ياسر بحنق :
- كيف لك أن تبدو سعيدا هكذا؟ كيف لك أن تتجاهل ما نحن فيه وتقف لتتأمل كل هذا الهراء؟
ألا تشعر بمآ أشعر من خوف وعجز ووحده؟ ألا يبدو ذلك مخيفا حقا؟ أعني أن نكون مريضين بهكذا مرض ؟
-أمجد: بلى كان ذلك مخيفا في البداية، عندما كان للحياة قيمة ، ولكن بعد أن عشت كل تلك الفترة أصارع المجهول وتتلاطمني أمواج الخوف والعجز والألم، حينها فقط أعدت تقييمي لمعنى الحياة... لم يعد لها رونقها السابق، كما لم يعد للموت صورته السابقة المتمثلة في نهاية كل شيء، تعلم يا صديقي أنني أحيانا عندما أفكر بالأمر اعاتب نفسي ، كيف لم أعرف منذ البداية؟ كل شيء كان يخبرني بذلك ولكن أنا لم أكن أنظر، أنني مستاء جدا من نفسي لأنني حملت الأمور كل تلك الأهمية...ما كان لي أن اعامل الحياة بكل تلك الجدية... كنت أسير على غير هدى أسلك الطريق التي لن أصلها، وأخوض حروبا لست طرفا فيها، ألم يكن ذلك واضحا منذ البداية؟ أنني لا أنتمي إلى هذه الحياة؟
قال ياسر وقد مسح دموعه وأبتسم بعناء ليقول بسخرية واضحة واضعا يده على كتف أمجد في محاولة منه لتخفيف حده الأمور :
-يا صديقي دعني أخبرك بشيء، لا أريد أن أشعرك بسوداوية الأمور ولكني وفي أثناء جلوسي وحيدا في غرفتي النتنه تلك، أنظر إلى مروحة السقف من فوقي واتخيل نفسي وأنا أحضر حبلا واتفنن في صنع عقدتي على مهل، عقده تليق بعنق صديقك الوسيم، ثم حالما أفرغ منها أثبت ذلك الحبل فيها، واضعا العقدة في رقبتي لنسقط بعد ذلك أنا وهي وتفشل محاولتي في الانتحار كما فشلت كل محاولاتي من قبل، فأعدل عن هذه الفكرة الغبيه، إلى جانب أنني لا أنتوي قضاء الصيف الخانق في هذا المركز القذر من دون مروحتي العجوز ذات الصرير والاهتزازات المحببة إلى قلبي،
هيا دعك من كل هذا، ما رأيك أن نخرج لنشرب القهوة في باحة المركز ونشاهد سروب حمام العم صابر وهي تقضي حاجتها على رأس الممرضات في الخارج، سيكون ذلك مسليا جدا، وذا طابع جمالي يفوق أي منظر طبيعي يمكنك أن تراه .
تعليقات
إرسال تعليق